أخبار عاجلة

شبح العتمة والصقيع لا يفارق أوروبا!

شبح العتمة والصقيع لا يفارق أوروبا!
شبح العتمة والصقيع لا يفارق أوروبا!

كتب عماد الشدياق في القدس العربي:

بعد توقف دام عشرة أيام، عاد الغاز الروسي إلى التدفّق باتجاه القارة الأوروبية عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″ يوم الخميس الفائت لكن بمنسوب أقل من السابق.

وعلى الرغم من عودة الغاز إلى “مجاريه” الأوروبية، ما زالت أزمة هذه المادة الحيوية، تشكل قلقاً لدى دول الاتحاد وخصوصاً الصناعية منها، خوفاً من الشحّ تدفقات مثلما يحصل اليوم، أو انقطاعها بالكامل في أيّ لحظة مستقبلاً.

خط "نورد ستريم 1"

خط "نورد ستريم 1" الذي ينقل ثلث صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا، كان يعمل بنسبة 20 في المئة من طاقته فقط، بعد أن خفّضت روسيا هذه النسبة من 40 إلى 20 في المئة مطلع الأسبوع، وهذا ما بدأ يثير القلق في نفوس الدول الأوروبية التي أبدت فتوراً وصل إلى الخلافات الحادة، في التجاوب مع مساعي مفوضية الاتحاد لناحية فرض “خفض إلزامي” على طلب الغاز، وتقليصه طوعياً بمقدار 15 في المئة خلال الشهور الثمانية المقبلة.

من بين هذه الدول، إسبانيا التي رفضت المقترح، واعتبرته سيصيب حياة الإسبانيين والصناعة الإسبانية بمقتل، وهو الأمر نفسه الذي ذهبت إليه البرتغال التي أعلنت أنّها لن تدعم الخطة لأنّها لا تتلاءم مع الدول المرتبطة مباشرة بشبكة الغاز الروسي.

أمّا ألمانيا، فأعلنت دعم القرار “المفيد لدول الاتحاد عموماً”، وطالبت مواطنيها بالإبقاء على نسق استهلاك محدود من أجل تفادي أيّ هدر محتمل، لكنّ المجر كانت أكثر رفضاً، وأعلنت عن اتخاذ إجراءات معاكسة تماماً، تقضي برفع حجم مشترياتها من الغاز الروسي تحديداً، وقررت شراء 700 مليون متر مكعب إضافية من روسيا فوق الكميات المتفق عليها.

ويكمن الهاجس الأوروبي في محاول ملء مخزون الدول من الغاز تحت الأرض قبل حلول فصل الشتاء، خصوصاً بعدما فشلت جميع المساعي الأوروبية في الاعتماد على غاز قطر وأذربيجان والولايات المتحدة والنرويج والجزائر، بدلاً من الغاز الروسي الذي يغذي القارة العجوز بنحو 300 مليار متر مكعب سنوياً.

إعادة التخزين

وعادة تلجأ الدول الأوروبية إلى ملء احتياطياتها خلال الصيف حيث يمكن شراء الغاز بسعر أرخص، ثمّ استهلاكه في الشتاء عندما يزيد الطلب على الغاز للتدفئة، لكن خفض روسيا لإمدادات الغاز اليوم بعد توقفه لمدة 10 أيام بداعي الصيانة، جعل إعادة التخزين هذه: مهمة صعبة وأكثر كلفة.

أمّا المخزون الحالي في أوروبا، فيُقدّر حالياً بنحو 57 في المئة، وقد أوصت المفوضية الأوروبية بملء المخزون في كل دولة أوروبية إلى حدود 80 في المئة مع حلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكنّ خبراء الطاقة في أوروبا، يرجحون أن تفشل كل من بلغاريا والمجر ورومانيا في الوصول إلى عتبة الـ80 في المئة إذا استمرت بالاستهلاك في الوتيرة نفسها، بينما ستجد ألمانيا والنمسا وسلوفاكيا صعوبة كبيرة في ملء مرافق التخزين الخاصة بها إذا توقّف تدفق الغاز من روسيا.

ويتهدّد الخطر دولة ألمانيا، ذات أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي لا تملك محطات استيراد غاز مسال، وكانت روسيا مصدر غازها نحو 65 في المئة وخفضته إلى أقل من ذلك اليوم بكثير.

برلين تعتزم إنشاء 4 محطات عائمة وتقول إنّ اثنتين منها ستعملان هذا العام، كما تسرّع في إصدار تشريعات لإعادة تشغيل محطات طاقة تعمل بالفحم كبديل مؤقت، على الرغم من خطط الخروج من الفحم بالكامل بحلول عام 2030.

ويعتمد 50 في المئة من الألمان على الغاز للتدفئة من بداية أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية مارس/آذار. وارتفعت أسعار الغاز بمعدلات كبيرة مع انتعاش الطلب بعد كورونا، ثم تضاعفت مرة أخرى نتيجة الحرب في أوكرانيا، بمعدل 3 مرات.

كما ارتفعت الدعوات إلى تدخل الحكومة من أجل مساعدة الأسر متوسطة الدخل أو وضع حدّ للتكاليف بعد احتمال وصول الفواتير السنوية إلى 4700 يورو خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعد أن كانت نحو 1500 يورو فقط.

وبخلاف التدفئة، فإنّ منتجي المواد الكيميائية والصلب والألمنيوم والزجاج والورق وهم من كبار مستهلكي الغاز الصناعي في ألمانيا، سيكونون أول الضحايا، حيث ستطال التأثيرات عددا كبيرا من الوظائف قد لا يقلّ عن 100 ألف وظيفة (خصوصاً في صناعة الألمنيوم والورق بحسب التقديرات).

ويمكن أن يؤدي نقص الغاز الروسي إلى خفض عائدات الشركات بأكثر من 15 في المئة ، وانخفاض عملة اليورو إلى نحو  90 سنتاً.
أمّا في فرنسا، فإنّ الوضع كان أقل سوءاً بقليل. لكن بعد خفض التوريد عبر “نورد ستريم” إلى 20 في المئة ، فإنّ الأمر في فرنسا قد تتفاقم.

باريس تعتمد على نحو 17 في المئة فقط من إمدادات الغاز الروسي، وهي تعمل بجهد منذ أشهر لملء خزاناتها بالكامل، وقد أكدت بلسان أكثر من مسؤول أنها تقترب من نسبة 100 في المئة  مع بداية فصل الخريف المقبل، لكنّ الأمور اليوم ستكون أصعب.
وقف الإمدادات أو خفضها في الوقت الراهن سيسبّب مشكلة للفرنسيين، لأنّ مولدات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية ستواجه صعوبة في تعويض النقص، نتيجة توقّف بعض المفاعلات للصيانة.

وتعتمد فرنسا خطاً دفاعياً أولاً يتمثّل بتوعية الفرنسيين، من أسر وشركات، على خفض استهلاك الطاقة ثم إنشاء بنية أساسية جديدة، مثل منشأة عائمة لإعادة الغاز المسال المقبل من الخارج إلى حالته الغازية.

لكنّ برغم كل هذه المساعي، لا يستبعد المراقبون حدوث اضطرابات اجتماعية، ما لم يكن هناك حدّ أقصى لأسعار الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل. كما يكمن القلق والشكّ في قدرة المصارف المركزية الأوروبية على مساعدة الاقتصاد، بفعل ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى المستويات لم تشهدها أوروبا منذ عقود.

هذه التطورات كلّها، تترافق مع خطوة قد تبدو “انتحارية”، وتتمثّل بتحضير دول الاتحاد حزمة عقوبات جديدة هي السابعة ضد روسيا، لكن يبدو أنّها ستكون غير فاعلة لصعوبة الاتفاق على تفاصيلها بفعل الانقسام بين الدول حول مدى فعالية العقوبات، التي تضغط الولايات المتحدة لفرضها على روسيا وهم من يدفع أثمانها. تقوم بذلك الولايات المتحدة وهي تدرك بأن تأثير تلك العقوبات على حلفائها وعلى حياة المواطنين الأوروبيين!

لكن يبدو أنّ أوروبا بدأت مؤخراً بتسجيل الاعتراضات وطرح التساؤلات عما إذا كانت واشنطن قد خدعتها بهذه العقوبات، وذلك يوم آثرت على إغراق روسيا بها دون جدوى.

بدأت دول الاتحاد الأوروبي تستدرك ذلك من خلال حجم مشترياتها من الغاز الأمريكي باهظ الثمن الذي يُسلّم عن طريق السفن. فباتت دول الاتحاد تترقّب بحذر ما ينتظرها من معاناة وضرر إن كان نتيجة ارتفاع الأسعار، أو نفقات قطاع الطاقة الإضافية على الميزانيات، في حال استمرّت بالسير خلف سياسات واشنطن المدمّرة التي لن تجلب على القارة العجوز سوى العتمة والصقيع!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى القطب الشمالي: نزاع جديد تتفوق فيه موسكو على واشنطن

معلومات الكاتب