موّحد اليابان.. لقّب بـ"نابليون" وانتحر بطريقة مأسوية

خلال القرن السادس عشر والذي يصادف فترة سينغوكو (Sengoku)، عاشت اليابان على وقع حالة انقسام، حيث عانى النظام الإقطاعي، والذي لطالما وحّد البلاد، من حالة انهيار بسبب الحروب المتواصلة بين مختلف الأسياد الإقطاعيين، الملقبين بالدايميو (daimyō)، وأتباعهم من الساموراي والذين سعوا لبسط نفوذهم على المزيد من الأراضي. وتزامناً مع هذا الوضع السيئ، شهدت اليابان خلال القرن السادس عشر ظهور شخصية أودا نوبوناغا (Oda Nobunaga) والذي اعتبر قائدا عسكريا تميز بدهائه وعنفه، ليلقب بناء على ذلك بنابليون اليابان من قبل العديد من المؤرخين، حيث نجح الأخير في قيادة حملة عسكرية ساهمت في توحيد الجزء الأكبر من أراضي اليابان.

تمثال لأودا نوبوناغا باليابان

ولد أودا نوبوناغا يوم الثالث والعشرين من شهر يونيو/حزيران سنة 1534 بمقاطعة أواري (Owari) وسط اليابان حيث كان الأخير ابن أودا نبوهيديه (Oda Nobuhide) والذي اعتبر حاكما عسكريا بالمنطقة وزعيما لعشيرة أودا ذات التاريخ العريق. وخلال طفولته، تميز أودا نوبوناغا بطباعه السيئة حيث اتجه الأخير لإحداث المشاكل وإلحاق الأذى بغيره والعبث بالبنادق اليابانية التقليدية، المعروفة بالقربينة اليابانية، وبسبب ذلك لقّب أهالي مقاطعة أواري الطفل أودا نوبوناغا بأحمق المدينة.

رسم تخيلي لأودا نوبوناغا

عقب وفاة والده سنة 1551، قاد أودا نوبوناغا عملية عسكرية انتهت بمقتل عمّه نوبوتومو (Nobutomo) والذي نافسه على السلطة. وخلال معركة قصر كيوسو (Kiyosu Castle)، تلقى نوبوتومو هزيمة قاسية أقدم خلالها على الانتحار احتراما لقوانين شرف المحاربين اليابانيين والمعروفة بالبوشيدو (Bushidō). وفي الأثناء، اتجه أودا نوبوناغا لتدعيم سلطته على عشيرة أودا فما كان منه إلا أن باشر بحملة إبادة أسفرت عن مقتل عدد كبير من معارضيه ومنافسيه على السلطة، والذين كان من ضمنهم شقيقه الأصغر.

خريطة تبرز أهم المناطق الخاضعة لسلطة أودا نوبوناغا قبل وفاته

وعقب تدعيم موقعه وتحوله للسيد المطلق لمقاطعة أواري، وجّه أودا نوبوناغا أطماعه نحو المناطق المجاورة ليبدأ بذلك حربا ضد عشيرة إيماغاوا (Imagawa). وبينما استطاع سيد هذه العشيرة والمعروف بإيماغاوا يوشيموتو (Imagawa Yoshimoto) جمع قرابة 40 ألف عسكري لم يتمكن أودا نوبوناغا من الحصول سوى على 4 آلاف فقط ولكن الأخير استعان بذكائه العسكري ودهائه ليتمكن من إلحاق الهزيمة بأعدائه وقتل قائدهم إيماغاوا يوشيموتو والذي صنّف كواحد من أقوى دايميو اليابان.

أودا نوبوناغا في الوسط خلال مشاهدته لمقابلة سومو

وخلال الفترة التالية، عقد أودا نوبوناغا تحالفا عسكريا مع توكوغاوا إياسو (Tokugawa Ieyasu) مؤسس سلالة توكوغاوا الحاكمة ليبدأ على إثر ذلك حملة عسكرية استمرت لحوالي عقدين من الزمن وأسفرت عن توحيد النسبة الأكبر من أراضي اليابان. ففي حدود عام 1568، استولت جيوش نوبوناغا على العاصمة كيوتو وعيّنت أشيكاغا يوشياكي (Ashikaga Yoshiaki) المنتمي لأسرة أشيكاغا في منصب حاكم عسكري على المنطقة قبل أن تعود مجددا لخلعه في حدود العام 1573. وطيلة السنوات التالية، اضطر أودا نوبوناغا لمواجهة العديد من التحالفات التي تشكلت بين الزعماء الإقطاعيين ضده.

رسم تخيلي لتويوتومي هيدهيوشي

في نفس الوقت، ساند أودا نوبوناغا دور المبشرين المسيحيين الأوروبيين باليابان حيث عمد الأخير لذلك، على الرغم من رفضه لجميع المعتقدات، في سعي منه للحصول على البنادق الأوروبية الحديثة والتي لعبت دورا بارزا في حسم العديد من المعارك لصالحه. وتزامنا مع ذلك، لم يتردد قائد عشيرة أودا في شن حملة عسكرية على الرهبان البوذيين ببلاده والذين تعاظم نفوذهم باليابان منذ القرن الثامن بعد الميلاد.

رسم تخيلي لتوكوغاوا إياسو

وفي حدود سنة 1580، هيمن أودا نوبوناغا على ما يزيد عن نصف خريطة اليابان وحدّ من نفوذ الرهبان البوذيين عن طريق اخضاع معابدهم ونشر المسيحية فضلا عن ذلك تمكن الأخير من فرض حالة من الاستقرار بالبلاد عن طريق دمج الساموراي والفلاحين الأثرياء بالمجتمع الياباني الجديد.

رسم تخيلي للجنرال المتمرد أكيشي ميتسوهيدي

وخلال ربيع عام 1582، اتجه أودا نوبوناغا نحو توسيع نفوذه ليشمل الجزء الغربي من اليابان عقب نجاحه في إخضاع كامل المنطقة الوسطى. وفي الأثناء لم يعش الأخير ليرى ذلك. فيوم الواحد والعشرين من شهر يونيو/حزيران سنة 1582 أرسل أودا نوبوناغا جيوشه لدعم أحد جنرالاته على الجبهة قبل أن يتوجه نحو معبد هانو (Hanno) قرب مدينة كيوتو للإستراحة. وبعد فترة وجيزة، تفاجأ أودا نوبوناغا بتواجد عدد كبير من الساموراي قرب المعبد ليعلم لاحقا بتمرد جنراله أكيشي ميتسوهيدي (Akechi Mitsuhide) والذي أمر بإضرام النار بالمعبد وحرق سيده. وأمام هذا الوضع الميئوس منه، لم يتردد أودا نوبوناغا في الانتحار اعتمادا على طريقة السيبوكو (Seppuku) حيث اتجه الأخير إلى تناول وجبة طعام أخيرة قبل أن يكتب كلماته الأخيرة ويعمد إلى بقر بطنه.

رسم تخيلي لمحارب ياباني قبيل انتحاره اعتمادا على طرقة السيبوكو صورة للزي العسكري لأودا نوبوناغا

وعقب هذه النهاية المأسوية لأودا نوبوناغا، واصل خليفته تويوتومي هيدهيوشي (Toyotomi Hideyoshi) مهمة توحيد البلاد قبل أن يحصل في النهاية توكوغاوا إياسو على السلطة ويؤسس شوغونية توكوغاوا والتي استمرت إلى حدود العام 1868 وانتهت بإصلاح ميجي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى